،"بيبراس".. من يكون ؟!

تعد "ليتوانيا" أكبر دول البلطيق الثلاث، وإحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، حيث انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004م، و"فيلنيوس" هي عاصمة ليتوانيا، والتي اختيرت عام 2009 عاصمةً للثقافة الأوروبية من الناحية المعمارية؛ امتداداً لفترة ازدهارها الاقتصادي والمدني في القرن الخامس عشر، والتي تأسست فيه جامعة "فياينوس"، الجامعة الوحيدة الموجودة في شرق ووسط أوروبا آنذاك.

ويعد حيوان "القُنْدُس" أحد أهم القوارض المائيّة والمنتشرة في أوروبا وآسيا، ويوجد منه أنواع عديدة تزيد على عشرين نوعا، يعيش عادة في الماء قائما بصورة دؤوبة على بناء السدود من أخشاب الأشجار الذي يقوم بتقطيعها بأسنانه الحادة، مما جعله أمهر مهندس في بناء السدود!.

ومن المقدمة أعلاه، نحاول أن نصل إلى فكرة تحدي "بيبراس"، والتي ولدت فكرته في دولة ليتوانيا على يد البروفيسور فالنتينا داجيني من جامعة فيلنيوس، عندما راوده التفكير في إحدى رحلاته إلى فنلندا من عام 2003، حول كيفية جذب الطلاب لتعلم "المعلوماتية" وبأسلوب حل المشكلات بتحدٍ وإصرار وبطريقة ماتعة جادة، ومما عرف عن البروفيسور أنه يرتبط بحيوان "القندس بعلاقة غير آيلة للانقطاع من الإعجاب والخيال والتحدي معاً، لدرجة أنه اقترح رمز التحدي باسمه باللغة الليتوانية "بيبراس"!.

كان أحد أهداف البروفيسور "فالنتيا" تأسيس "بيبراس" كمبادرة دولية للمعلوماتية في المدارس، فبدأ في إطلاقها في "ليتوانيا" في 25 سبتمبر 2004، عندما أجرى تجربة تجريبية، شارك فيها 779 طالبًا في مدارس التجربة، وكان هدفها التحقق من التقنيات المختارة للتحدي وتقييم مستوى المشكلات المقدمة.. وبعدها بشهر أطلقت رسمياً، بإجراء أول تحدٍّ لبيبراس الليتواني، بمشاركة 3470 تلميذاً من 146 مدرسة.

عمل البروفيسور "فالنتينا" وفريقه بعدها على نشر المسابقة والتحدي الشيّق دولياً؛ فانضمت للتحدي عدة دول أوروبية، فكانت أستونيا وألمانيا وهولندا وبولندا أول من انضموا عام 2006، ولحق بها النمسا ولاتفيا وسلوفاكيا عام 2007، بينما بدأت جمهورية التشيك وأوكرانيا تحديات بيبراس عام 2008، ثم تلاها إيطاليا عام 2009، وشهد عام 2010 أولى مشاركات فنلندا وسويسرا.

في عام 2011، لحقت فرنسا والمجر وسلوفينيا بركب تحدي "بيبراس"، وفي عام 2012 شهدت اليابان أول مشاركة من دولة غير أوروبية؛ تلاها إجراء تحديات تجريبية في بلجيكا وكندا وقبرص وإسبانيا، وانضمام دول أخرى إلى مجتمع "بيبراس" مثل بلغاريا والسويد وتايوان.. ومن الدول العربية والشرق الأوسط ريادة "السعودية" عبر مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع "موهبة" المشاركة بنسختها الرسمية الأولى (2020)، بمشاركات مشرّفة تجاوزت الـ8539 طالباً وطالبة من التعليم العام، وحضور أثر من 18 ألفاً من خارطة الوطن في الحفل الختامي لتتويج الفائزين.

"بيبراس" مسابقة دولية في الفكر المعلوماتي والمنطق والتفكير الحسابي بين طلاب المدارس، وتشجع على مهارات حل المسائل ومفاهيم المعلوماتية التي تشمل المقدرة على تحويل المسائل الصعبة إلى عناصر سهلة، والتعرف على مبادئ الخوارزميات والأنماط والتجريد.. ويشارك فيها اليوم سنوياً أكثر من مليوني طالب وطالبة من أكثر من 60 دولة سنوياً.

أما تسميته بـ"تحدي بيبراس"؛ فلأنه عبارة عن مجموعة من المشكلات القصيرة، ومهام تستند إلى المشكلات التي يجتمع عليها علماء "الكمبيوتر" في كثير من الأحيان ويستمتعون بحلها بطرق ماتعة جاذب معاً.

ختاماً، يعد "بيبراس" اليوم، أحد استثمارات مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" المتعددة في طاقات موهوبي المملكة العربية السعودية، ومدخلاً مهماً لمنظومة إعداد "موهبة" للفريق الوطني الذي يشارك بإمتياز في الأولمبياد الدولي للمعلوماتية، وهي لاشك امتدادٌ لمنهجيتها وفق أساليب علمية نوعيّة متجددة وبممارسات عالميّة حديثة نحو بناء منظومة وطنية تستثمر في طاقات موهوبي وطننا ومبدعيه رعايةً وتمكيناً.